معركة حماية المسجد الأقصى من التقسيم الزماني والمكاني

by admin
1945 views

د. شريف أبو شمالة
رئيس مؤسسة القدس ماليزيا

أثناء كتابة هذا المقال، وتحديدا في 16 نوفمبر 2020، وجهت واحدة من المنظمات الصهيونية المتطرفة “مؤسسة تراث جبل المعبد” رسالة إلى وزير الأمن الداخلي الصهيوني طالبت فيها بالسماح لأتباع المدارس الدينية بأن يقضوا كامل الفترة المتاحة للاقتحامات في تعلم التوراة وتعليمها في الساحة الشرقية للمسجد الأقصى المبارك، مما يعني أن الاحتلال والجماعات المتطرفة لا تزال ماضية في معركة تقسيم المسجد الأقصى المبارك، مما يجعل استمرار التذكير بهذه المعركة ضرورة لتوسيع دائرة التفكير والفعل في مواجهتها. 

يعد التقسيم الزماني والمكاني من أخطر الإجراءات الصهيونية الرامية لتهويد الأقصى، بفرض واقع جديد هو الأقرب إلى حلمه الدائم بهدم المسجد الأقصى، وتحويله إلى معبد يهودي، ويعدون تقاسمه مع المسلمين، محطة على ذلك الطريق وذلك بعد سيطرتهم على حائط البراق والتحكم في البوابات.

المقصود بالتقسيم الزماني والمكاني، هو فرض الاحتلال أوقاتا وأياما معينة للاقتحامات الصهيونية، يمنع فيها المسلمون من دخول المسجد الأقصى، وكذلك تخصيص أماكن محددة داخل المسجد الأقصى المبارك يمنع المسلمون من استخدامها وتكون حصرا على اليهود المقتحمين لأداء صلوات يهودية فيها، أي تحويلها إلى كنيس يهودي داخل المسجد الأقصى، والهدف من ذلك تغيير حالة الأقصى من مكان مقدس حصري للمسلمين، إلى مكان مقدس مشترك مع اليهود.

وهذه المشاريع يتم تداولها بكثافة في أروقة الحكومة الصهيونية والكنيست الإسرائيلي، بوتيرة محمومة، وتتجه جميع الإجراءات الصهيونية في المسجد الأقصى في الوقت الحالي في المسجد الأقصى لفرضها عنوة وتدريجيا، وتبقى يقظة المرابطين والمجتمع المقدسي، والقيادات المجتمعية عاملا مهما في إحباط هذه المحاولات.  

المحطة الأبرز في محاولات فرض التقسيم والتبني الرسمي لها، ما كشفته مؤسسة الأقصى للوقف والتراث، في شهر أكتوبر 2013، وهي مسودة اقتراح ومخطط صهيوني تقوم عليه وزارة الأديان الصهيونية، لتقسيم زماني ومكاني وإقامة كنيس يهودي على خمس مساحة المسجد الأقصى في الجهة الشرقية منه، فصَّل المقترح الأوقات والأمكنة والكيفية التي ستخصص للصلوات اليهودية الفردية والجماعية في المساحات المحددة.

وحسب المخطط، يقوم بالصلوات الفردية فرد واحد فقط، بصوت منخفض يُسمع نفسه بشفتيه دون أن يحمل الكتب والأدوات المقدسة، أما الصلوات الجماعية فتكون لعشرة أفراد أو أكثر.

ويبين المقترح أن الأيام التي يكون المسجد الأقصى حصريا تحت سيطرة اليهود مثل الأعياد ومواسم الصيام حسب التقويم العبري، وهي: رأس السنة العبرية، ويوم الغفران وعيد العرش ويوم الثامن من عتسرت وعيد الحانوكاة وصوم العاشر من شهر طبات، ويوم المساخر، وعيد الفصح العبري، ويوم الاستقلال ويوم القدس، وعيد الشفوعوت، ويوم صيام تموز، وصيام التاسع من آب العبري. (للمزيد عن هذا المقترح والمخطط)
وقد تكررت الدعوات الصهيونية إلى تفعيل هذا المقترح في الكنيست عام 2016، رغم أنها ماضية في تطبيقه بشكل غير معلن، لكن الوقائع على الأرض تثبت تبني السلطات فرضه.

معركة التقسيم الزماني.
الوقائع على الأرض تشير إلى مضي جماعات المعبد والسلطات الإسرائيلية في ذلك المشروع قبل تاريخ الكشف عن المخطط المذكور، ونجد ذلك واضحا حين عمدوا، وباستخدام قوة الشرطة الإسرائيلية، إلى فرض أوقات معينة للاقتحامات بشكل يومي، منذ عام 2003م، بحيث تكون الاقتحامات صباحية (7:00- 10:30 صباحاً)، وأخرى مسائية (12:30-13:30 مساء)، بالتوقيت الشتوي، أما في الصيف (7:30 – 11:00صباحا، و13:30-14:30مساء) حيث يسمح في تلك الأوقات لليهود اقتحام المسجد الأقصى، ويستغلونها لأداء صلوات يهودية فيه. متجاوزين الأوقاف الإسلامية المسؤولة عن شئون المسجد حسب الوضع القائم (الستاتيكو) قبل وجود الاحتلال، كما يسعون إلى تخصيص 3 أوقات للصلاة اليهودية في الأقصى يوميا، فضلا عن أيام محددة للمناسبات اليهودية لاقتحام المسجد الأقصى عنوة، مع التأكيد على ضرورة منع المسلمين من التواجد في الأقصى (أو في طريق المقتحمين) أثناء هذه الأوقات، وقد قاموا بذلك في تحد سافر لمشاعر المسلمين ومقدساتهم.

حاولت الحكومة الصهيونية فرض التقسيم الزماني بشكل رسمي عام 2015، فزادت حدة الاقتحامات ووتيرتها، وفأرادت إغلاق الأقصى أمام المسلمين في موعد الأعياد العبرية (رأس السنة العبرية وعيد العرش) التي جاءت في شهر سبتمبر، وقام الاحتلال بمنع المرابطين والشباب من دخول المسجد الأقصى في هذه الأوقات، مما يعني فرض التقسيم الزماني على الأقصى، لكن صمود المرابطين وثباتهم على البوابات أفشل ذلك وأدى لانطلاق هبة السكاكين، وتراجع الاحتلال عن فرض التقسيم، لكنه قام بحظر الرباط في المسجد الأقصى واعتباره تنظيما إرهابيا.

لم تتوقف محاولات التقسيم الزماني، وكان أبرزها عندما جاء توقيت “عيد خراب الهيكل” حسب الرزنامة العبرية في نفس يوم عيد الأضحى 1441هـ (أغسطس 2019) وطالبت جماعات الهيكل من حكومة الاحتلال بتأجيل صلاة عيد المسلمين في الأقصى ليتمكنوا من اقتحامه وأداء طقوسهم التوراتية دون أي تشويش!، لكن جموع المسلمين احتفلت بعيد الأضحى المبارك برباطها في الأقصى وأخروا ذبح الأضاحي، ليتمكنوا من التصدي لاقتحام اليهود المتطرفين، ويحبطوا محاولتهم فرض التقسيم الزماني للمسجد الأقصى، ورغم كثافة أعداد القوات العسكرية الصهيونية التي حضرت لتأمين اقتحام المتطرفين إلا أن وجود المصلين والمرابطين أحبط ذلك رغم ما تعرضوا له من اعتداءات بالقنابل المسيلة للدموع والدخانية من قوات الاحتلال.

وخلال هذه الأيام (نوفمبر 2020) مددت شرطة الاحتلال فترة الاقتحامات اليومية 30 دقيقة إضافية، إذ كانت الفترة الثانية من الاقتحامات اليومية تكون بين الساعة 12:30-13:30م، فصارت 12:30 -14:00 (بالتوقيت الشتوي)؛ وبذلك تصبح الساعات المخصصة لاقتحام الصهاينة خمس ساعات يومياً من الأحد إلى الخميس، وهو ما احتفلت به جماعات الهيكل، ويدلل هذا بصورة جلية على حجم الخطر التدريجي الذي يهدد المسجد الأقصى المبارك، خصوصا في أوقات عصيبة مثل أزمة كورونا.

التقسيم المكاني:

يأخذ التقسيم المكاني للأقصى موقعا متقدما في محاولات فرضه من قبل جماعات المعبد المتطرفة، مدعومة من الحكومة الصهيونية، ومن ذلك ما حدث من محاولة السيطرة على التسوية الشرقية الجنوبية من الخارج عام 1995م بتنفيذ حفريات وأنفاق تهويدية تصلها من خارج المسجد، تحديدا من الجهة الجنوبية، لإقامة معبد يهودي فيه، وهو الأمر الذي تم اكتشافه والتحذير منه، عبر مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح، وأحبطوا هذه المحاولة لما سارعت المؤسسة إلى إعادة تأهيل التسوية الشرقية وتنظيفها وفرشها بالسجاد واستخدامها مصلى عرف باسم “المصلى المرواني” عام 1996م.

بعد إحباط محاولة السيطرة على المصلى المرواني اتجهت أنظار الصهاينة إلى المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى، التي تشمل باب الرحمة والمنطقة الواقعة بين المصلى المرواني وباب الرحمة، وتمثل ذلك في مسارين: الأول منع المسلمين وإدارة الأوقاف الإسلامية من تأهيل المنطقة الشرقية التي يوجد فيها أكوام الردم التي تم إخراجها من المصلى المرواني أثناء تعميره 1996-1998، مما جعلها منطقة غير مناسبة للمصلين وللصلاة، ويمنع الاحتلال إعادة استخدام الردم لإقامة المصاطب أو عقد حلقات رباط وتعليم، وحين قام بعض الشباب المتطوعون في اعتكاف شهر رمضان 1440هجري/ 2018م  بتنظيفها وترتيب بعض الحجارة في هذه المنطقة، قامت القوات الصهيونية باعتقالهم وهدم ما أقاموه فيها.

المسار الثاني تمثل بإغلاق باب الرحمة تمهيدا لمصادرته، ففي عام 2003م صدر قرار صهيوني بإغلاق مبنى باب الرحمة الذي كان مقرا للجنة الزكاة بدعوى الإرهاب، فتوقف العمل فيه ووضعت على بابه الأقفال، وبذلك يكونوا قد حولوا المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى إلى منطقة مهجورة يسهل الاستيلاء عليها، وتخصيصها لصلاة اليهود.

مخطط الاحتلال للسيطرة على المنطقة الشرقية وتحويلها إلى كنيس يهودي

أراد الاحتلال فرض خطوة جديدة في مشروع التقسيم المكاني في فبراير من عام 2019، بالسيطرة الفعلية على باب الرحمة حين قام بتغيير الأقفال التابعة للأوقاف بأقفال تخص شرطة الاحتلال، مما يعني عمليا سيادة الاحتلال على هذا المكان، ومن ثم مصادرته أو إعادة استخدامه كمعبد يهودي داخل الأقصى، لكن ذلك جوبه بهبة شعبية كبيرة أدت إلى كسر قرار الاحتلال وأقفاله، استعادة مبنى باب الرحمة واستعماله مصلىً يضاف إلى مصليات المسجد الأقصى المبارك، وفي الوقت الحالي لا يزال هناك محاولات عديدة من الاحتلال لمنع المسلمين من الصلاة في قاعة باب الرحمة.

وهذا يفسر لنا تركيز الاحتلال والمقتحمون اليهود على خلق علاقة توراتية مع باب الرحمة، واعتباره بوابة “الهيكل” الشرقية المذكورة في التوراة، تمهيدا للاستيلاء عليه بدعاوى دينية توراتية.   

ملاحظتان:

أولا: بعد العرض السابق نرى أن محاولات الاحتلال لفرض التقسيم الزماني والمكاني لا تهدأ، وأن المعركة مع الاحتلال مستمرة على كل شبر ودقيقة في المسجد الأقصى المبارك، مما يستوجب منا جميعا أن نكون على قدر عال من اليقظة، وأن يساهم كل بدوره حسب موقعه وقدرته، في معركة حماية الأقصى وصونه.

ثانيا: فهمنا للتقسيم المكاني وعقلية الاحتلال في التعريف والتعامل مع المسجد الأقصى، بجعله “جبل المعبد”، يجعلنا نذكِّر ونؤكد دوما على المفهوم الصحيح للمسجد الأقصى المبارك، الذي يعني جميع ما دار حوله السور بما فيها الساحات، وليس فقط الجامع القبلي الذي يعتبره الاحتلال هو المسجد الأقصى “المقدس” فقط بالنسبة للمسلمين، وباقي المسجد ما هو إلا ساحات عامة فيما يسمونه تزويرا وعدونا “جبل المعبد”. 

Related Articles